الاثنين، 31 مارس 2014

المقومات العلمية واللسانية لبناء مناهج اللغة العربية



مقدمة:
   الحمد لله، وصلّى الله على نبيّه ومولاه. أمّا بعد: فإنّ تعليم اللغات أمر خطير جدّا، وله أهمية خطيرة، إذ باللغة تتبادل الأفكار وبها يتفاهم الناس وبها ينشر العلم وينتقل من مكان إلى مكان ومن زمن إلى زمن ومن أمّة إلى أمّة. وخطورته أعظم إذا تعلق باللغة العربية إذ بها يقرأ القرآن وبها يفهم إذ لا طريق إلى فهمه إلا من خلالها.
   هذا، وتعليم اللغات الغاية منه أن يقدر المتعلّم على "تبليغ أغراضه بتلك اللغة وفي نفس الوقت على تأدية هذه الأغراض بعبارات سليمة أي من تلك التي تنتمي إلى ما يتعارفه الناطقون بها أوضاعا ومقاييس."[1]. ولتحقيق هذه الغاية لا بدّ من النظر العميق والفحص الدقيق قبل الخوض في غمار وضع المناهج وبيان الطرق والوسائل، ومن ثمّ كان لا بدّ من التثبت قبل ذلك من أمور مهمّة:
   1-الاعتماد على ما يثبته البحث العلمي، وما يقره الفحص الموضوعي من حيث طرق ومناهج التعليم.
   2-الاعتماد على ما يثبته البحث العلمي، وما يقره الفحص الموضوعي من حيث القوانين والأسرار التي تحويها اللغة المراد تعليمها.
   3-عدم الاغترار بما يروج هنا وهناك حول لغة من اللغات، وحول منهج من المناهج، إذ العلم ليس بموضة تنقضي بانقضاء الموسم.
   وهذا أوان بيان الأصول والمبادئ التي نراها مناسبة لاعتمادها في ميدان تعليم اللغات عموما، واللغة العربية خصوص:
   1/ الأصول العلمية التي ينبغي مراعاتها في تعليم اللغة[2]:
   1-1-توجيه الاهتمام نحو المتعلم: إذا رجعنا إلى الظروف التي نشأت فيها تعليميات اللغة نجد أنّها جاءت ردّا على النظرة التي كانت سائدة في ذلك الزمن (بداية القرن العشرين)، والتي كانت تجعل المعلّم هو محور العملية التعليمية غاضّين الطرف عن المتعلم. هذا الوضع دفع بكثير من الباحثين إلى توجيه انتقاد لاذع لهذا التوجه، وكانت أهمّ النقائص التي أبانوها هي: إبعاد المتعلم من دائرة الاهتمام في العملية التعليمية والتركيز على المعلّم، ولم يكن للمتعلم إلا انتظار ما يقدمه المعلم ثم حفظه وتكريره.
   لذا إذا أردنا أن نحقق النجاح المطلوب في عملية التعليم فعلينا أن نولي المتعلم الاهتمام اللازم، والاعتناء به، لا الاعتناء بالمادة المراد تعليمها فقط، وإهماله بالكليّة كما تفعل كثير من الدوائر الموكلة بالبرمجة والمنهجة، فينبغي الاهتمام:    
 1-باحتياجات المتعلم واهتماماته ورغباته وميولاته.
1-ينبغي مراعاة اختلاف السن والمستوى العقلي.
3-الاهتمام بأنواع الأنشطة المنوطة بالفرد داخل مجتمعه.
4-ينبغي مراعاة ماذا نريد من هذا الذي نعلمه داخل مجتمعه.
5-ينبغي أن ننظر في الأحوال المختلفة للخطاب داخل المجتمع من أجل توفير ما يحتاجونه.
   ولا يتحقق هذا إلا بتوفير الجهود والإمكانيات من أجل التحري الدقيق عن ذلك من أجل مراعاته في عملية الوضع والمنهجة، وإلا فنكون عبثين غير جديين.
    1-2-إنّ اكتساب اللغة مهارة: فأيّ متعلّم يريد أن يكتسب لغة ما، فهو يريد أن يكتسب مهارة التصرف في تلك اللغة من حيث مطابقة كلامه لما يقتضيه المقام أو الحال. ومن ثم فنحن لا نعلمه نحو تلك اللغة أو صرفها أو بلاغتها، بل نعلمه لغة يوظفها في أحوال خطابية مختلفة، لذا ينبغي مراعاة هذا الجانب في أثناء وضع المناهج.
   2-3-يجب مراعاة التسلسل المنطقي والتخطيط الجيد للمادة اللغوية: إذا أردنا أن نقوم بهذا العمل فلا بدّ من اعتبار التنظيم والتخطيط، إذ من دونهما لا يقوم الشيء ولا يستقر له قرار، ويكون في تعليم اللغة على النحو الآتي:
أ/من حيث المفردات، فينبغي أن تنتقى المفردات ذات الصلة باهتمام المتعلم ورغباته، والتي تؤدي المطلوب وتكون وافية بحاجياته اليومية المختلفة داخل مجتمعه.
بــــ/من حيث التراكيب، فينبغي اجتناب الشاذ منها الذي لا نجده إلا في الكتب القديمة، وأن نراعي التراكيب التي يكثر دورانها داخل مجتمعه، مع الابتعاد كلّ البعد عن التعليل والتفسير للمادة اللغوية، إذ تعلم اللغة شيء، وتعلمّ تفسيرها شيء آخر.
   2-الأصول اللسانية التي ينبغي مراعاتها عند وضع المناهج التعليمية[3]:
   قبل الخوض في عملية وضع البرامج والمناهج التعليمية لا بدّ من مراعاة أمور مهمّة تخصّ اللغة التي يراد تعليمها:
   2-1-اللسان وضع واستعمال: فاللسان قبل كلّ شيء هو نظام من العلامات التي تسمح بعملية التواصل، وهو في الوقت ذاته استعمال لهذا النظام في وضعيات تخاطبية معيّنة، والخلط بين الجانبية مضرّة. إذ اللغة قبل كلّ شيء هي استعمال أي هي لفظ معيّن مستعمل لتأدية غرض معيّن في حال خطابية معيّنة تقتضيها، فدراسة اللغة معزولة عن أحوال الخطاب والاكتفاء بإيراد القواعد هكذا خبط في عماية.
   "وعلى هذا فالاستعمال الفعلي للغة في جميع الأحوال الخطابية التي تستلزمها الحياة اليومية هو الذي ينبغي أن يكون المقياس الأوّل والأساسي في بناء كلّ منهج تعليمي"[4].
   2-2-ينبغي التنبّه إلى أنّ المستعمل في حالات الخطاب الطبيعي شيء محدود: إذ يعتقد كثير من المعلّمين أو المربين أنّ كلّ ما يوجد في اللغة صالح لأن يعلّم، وهذا خطأ. لذا ينبغي الاهتمام بالكمّ الذي يحتاجه المتعلم فعلا في واقعه اليومي، والكثرة الكاثرة من المفردات لا تزيده إلا تعبا ونصبا، وقد تنسيه الأساس.  
   2-3-ينبغي أن تكون لغة العلوم والتقنيات خالية من الاشتراك[5]: الاشتراك حقيقة لغوية لا تنكر، وأهميته في إتاحة التعبير عن المعاني داخل المجتمع لا تنكر كذلك إذ المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية، غير أنّ ما ينكر هو أن يستعمل المصطلح الواحد داخل نسق معرفي واحد، الأمر الذي يحدث الفوضى وعدم الفهم واللبس على المستعمل والسامع.
   هذا ما تيسر بيانه في هذه العجالة، ولنا موعد آخر فيما يستأنف من الأعداد للتوضيح أكثر. والحمد لله.

 بقلم

الأستاذ: محمد عثماني





[1]-بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، عبد الرحمن الحاج صالح، موفم للنشر -الجزائر-، 2007، ص174.
[2]-انظر في هذا: السابق، ص185-189.
[3]-انظر في هذا: السابق، ص175-185.
[4]-السابق، ص176.
[5]-والاشتراك هو استعمال كلمة واحدة للدلالة على عدّة معان.

0 التعليقات:

إرسال تعليق