الثلاثاء، 1 أبريل 2014

ظروف احتلال الجزائر


 لم تكن الجزائر هدفا فرنسيا فقط بل كانت محل تنافس كل الدول الأوروبية لموقعها الاستراتيجي ، فالاعتداءات المتكررة  على مختلف مدن الساحل الجزائري عامة ومدينة الجزائر خاصة مجتمعين مرة ومتفرقين مرة أخرى دليل على نية الاحتلال، غير أن فرنسا كانت الدولة الأولى الحريصة على احتلال الجزائر، لذلك انطلقت مبكرا في وضع الخطط المباشرة وغير المباشرة لتحقيق ذلك، ومن أهمها  التقرب من الدولة العثمانية حيث أبرمت معها معاهدة صداقة وتحالف ضد اسبانيا_بحكم أن عداوتهما مشتركة ضدها_ وذلك في عهد سليمان القانوني من الجانب العثماني والملك فرنسوا الأول من الجانب الفرنسي سنة 1528م ثم تجددت سنة 1535 بموجب هذه الاتفاقيات تحصلت فرنسا على عدة امتيازات خاصة في الجزائر  (صيد المرجان، إقامة شركات وحصون  تجارية)، وهذا هو هدفها الحقيقي.

العلاقات الفرنسية-الجزائرية
       علاقات فرنسا مع دايات الجزائر غير مستقرة، فهذه الأخيرة ترى نفسها أنها ذات حظوة في الجزائر منحها لها الباب العالي وبذلك تفعل  ما تشاء لتحقيق وحماية مصالحها، بينما السلطة في الجزائر تريد أن تتصرف كدولة مستقلة ذات سيادة وبالتالي تعامل فرنسا كبقية الدول الأوروبية التي تخضع للمراقبة، هذا الاختلاف كثيرا ما يتحول إلى عداوة ولعل أخطرها ما وقع بعد هزيمة الدولة العثمانية في معركة "ليبانت" سنة1571، حيث سارعت فرنسا سرا إلى تسليح حصونها التجارية مستغلة أثر الهزيمة على الباب العالي غير أن رد فعل السلطة في الجزائر كان عنيفا فقد هدمت حصن "القالة" واعتقلت القنصل الفرنسي سنة 1603، وهكذا الحال بقيت العلاقات الجزائرية-الفرنسية بين مد وجزر. في سنة 1620أبدت فرنسا رغبتها في إعادة العلاقات من جديد وبطبيعة الحال كانت فرنسا تزج بالباب العالي دائما للتقريب بينها وبين الجزائر، فوافقت الجزائر على إرسال وفد إلى فرنسا للتفاوض ووضع الشروط لتحسين العلاقات برئاسة "سنان باشا" لكن خلال تواجد الوفد الجزائري انتشرت أخبار عن هجوم الأسطول الجزائري على سفن تجارية فرنسية، دون التحري عن الخبر قامت فرنسا بقتل الوفد الجزائري، فكانت بمثابة إعلان حرب على الجزائر، حيث قطعت العلاقات نهائيا وأصبحت سفنها التجارية مطاردة من الأسطول الجزائري. ثم عادت العلاقات من جديد بتدخل من الباب العالي بطلب من فرنسا ، ثم توترت من جديد في عهد الملك "لويس الرابع عشر" الذي بقي حلم احتلال الجزائر وتأسيس إمبراطورية مثل بريطانيا التي نافستها في البر والبحر تراوده وتراود الأسرة المالكة من فبله، فقامت قواته بعدة حملات عسكرية لضرب الجزائر،  من بينها الحملة على ميناء جيجل1664، وعلى ميناء الجزائر 1683م-1688م ثم على القالة 1824م، لكنها منيت كلها بالفشل لتصدي الأسطول الجزائري لها.

   بقيت العلاقات بين طرد وجذب إلى أن اندلعت الثورة الفرنسية 1789وقيام دولة جديدة بنظام جديد وهو النظام الجمهوري غير المعروف في أوروبا والمناهض للنظام الملكي، الشيء الذي عرض فرنسا إلى حصار شامل شاركت فيه كل الأنظمة الرجعية المجاورة، فكانت الجزائر أول دولة تعترف بهذه الجمهورية الجديدة وتفك عنها الحصار بعدة إجراءات من بينها تموين الشعب الفرنسي بالغذاء وتمويل النظام الجديد بقرض دون فائدة بلغ 250ألف فرنك بالإضافة إلى حماية سفنها في البحر الأبيض المتوسط هذه الصداقة التي لم تكن تحلم بها فرنسا ساعدها على النهوض من جديد والخروج من الأزمة التي أحدثتها الثورة داخليا، كما حماها من حصار الأوروبيين لها والذي معناه حماية نظامها الجديد، وأفكارها التي وجدت طريقها بين الشعوب الأوروبية من قومية، وحريات وحقوق إنسان وغيرها من هذه الشعارات التي كانت سببا قي توجيه الشعوب إلى ثورات ضد أنظمتها.

لكن هل كان موقف النظام الجديد الذي ساندته الجزائر مخالفا أو موافقا للنوايا الاستعمارية التقليدية؟

في الواقع لم تتغير عقلية الفرنسيين اتجاه الجزائر فروح التوسع والاستدمار غريزة موروثة من أجدادهم الأوائل الذين تحركوا باسم الصليب لاحتلال المشرق العربي فهزيمتهم  غرست فيهم عقدة انتقامية لم تندمل مع مر السنين والعصور. ويظهر ذلك مع "نابليون بونابرت" أول حاكم فعلي للجمهورية الفرنسية  منذ 1799 فرغم ما قدمته الجزائر من مساندة ومساعدة فقد كان هذا الأخير يخطط لاحتلال الجزائر حيث أرسل إليها بحكم العلاقات الطيبة "التي تمسك بها نابليون" بعثة علمية وعسكرية اندس بينها جواسيس أبرزهم  (الضابط بوتان) الذي أعد تقريرا مفصلا سنة 1808ستعتمد عليه فرنسا لاحتلال الجزائر فيما بعد.

مرامي فرنسا من الاحتلال:
هناك عدة أهداف ومرامي وراء احتلال فرنسا للجزائر نلخصها كالتالي:

أ- أهداف توسعية استعمارية: واجهت فرنسا منافسة حادة من قبل الدول الأوروبية  وعلى رأسها بريطانيا التي كانت تزاحمها في أي ارض تدخلها، ففي الأرض الجديدة (قارة أمريكا) تنازلت لها  عن مستعمراتها (كانت تدعى فرنسا الجديدة) بموجب معاهدة باريس عام 1763 بعد حرب السبع سنوات التي انتصرت فيها بريطانيا وخرجت كقوة استعمارية وبمقتضاها فقدت فرنسا ممتلكاتها في أمريكا الشمالية، بتنازلها لبريطانيا عن كندا  ولإسبانيا عن غربي  لويزيانا، في مقابل فلوريدا التي تنازلت عنها إسبانيا لبريطانيا، وجميع ممتلكاتها شرق نهر المسيسبي، وفي آسيا ( في الهند ) سمحت بريطانيا للفرنسيين باسترجاع  مراكزها التجارية ومنعتها من إدخال جنودها وبذلك تكون بريطانيا قد طردت فرنسا من الهند ومن أمريكا إلا من بعض المناطق والجزر، وكذلك عدم قدرتها منافسة بريطانيا في مصر وشرق إفريقيا وغيرها، مما جعلها تخطط لاحتلال الجزائر فتعوض بها ما خسرته في القارة الجديدة ومناطق أخرى، ومن خلالها تتوسع في كامل الشمال الإفريقي وتجعل منه بوابة للتوغل نحو إفريقيا من الغرب إلى الوسط والجنوب، وبالتالي تكوّن إمبراطوريتها الاستعمارية في إفريقيا انطلاقا من الجزائر كما لبريطانيا إمبراطوريتها في أمريكا وأسيا.  وجعل مستوطنة لها للتخلص من الفائض السكاني وما يحتويه من فقراء ومساجين وخارجين عن القانون...

ب- أهداف سياسية عسكرية:  تفوق البريطانيين وتوسعاتهم إضافة إلى الانهزامات المتتالية للجيش الفرنسي أهمها هزيمة نابليون في واترلو (بلجيكا 18جوان1815) وهزيمة جيوشها أمام بريطانيا في مختلف الجبهات داخل وخارج أوروبا كل ذلك قضى على كبرياء فرنسا  صاحبة الثورة الفرنسية، ثم زاد هذا التدهور في عهد شارل العاشر الذي يمثل التيار الرجعي وعودة أوضاع ما قبل الثورة، فللتغطية على هذه الأوضاع رأت حكومة شارل العاشر إلهاء الرأي العام الفرنسي بحرب خارجية (الحملة الاستعمارية على الجزائر) يبعدان بها المعارضين من العامة والقادة والسياسيين، وتزيين الحملة لاستعادة أمجاد فرنسا الضائعة عسكريا وسياسيا.

ج- أهداف اقتصادية: الامتيازات الكثيرة والمتنوعة لفرنسا في الجزائر جعلها ترتبط بالجزائر ارتباطا كبيرا لدرجة أن نابليون يعتبر أن اقتصاد بلاده امتداد للاقتصاد الجزائري، فهي منطقة إستراتيجية تعد بوابة لإفريقيا  ومنطقة تجارية هامة لقربها من فرنسا (ابعد نقطة هي 700 كلم بين العاصمة ومرسيليا)، ذات سهول خصبة وثروات باطنية إضافة إلى ما تمتلكه خزائنها من ثروة مالية ضخمة جمعت خلال نشاط الأسطول الجزائري، كل هذا وغيره جعل فرنسا تحرص على إبعاد كل المنافسين لها.

د- أهداف صليبية: كثيرا ما كانت فرنسا تدعي بأنها راعية الكنيسة الكاثوليكية وأنها تريد القضاء على (القرصنة الجزائرية) التي تهدد المسيحية، وقد أظهرت هذا المطلب صراحة في مؤتمر "إكس لا شابيل سنة 1818"، فاعتبرت نفسها حامية وأنها سترفع الصليب في ارض الإسلام. عملت فرنسا على نشر فكرتها هذه في أوروبا إلى أن حققت تأييد الكنيسة لها وتأييد الأوروبيين. فالكنيسة تدفعها الروح الصليبية التي لم تتخلص منها منذ هزائمها القديمة فهذه النعرة جعلت البابا يبارك الحملة الفرنسية ويشجع لها، أما الساسة الأوروبيين فقد أجمعوا  في المؤتمر السالف الذكر على تأييد فرنسا (عدى بريطانيا) بالقيام بحملة على الجزائر وذلك لإبعاد فرنسا عن أوروبا حتى لا يظهر نابليون جديد.

افتعال ذريعة الاحتلال:
 تضخم الديون التي في ذمة فرنسا نحو شركة بوشناق وبكري اللذان بدورهما كانا عليهما ديون للداي ولخزينة الدولة تصل إلى20 مليون فرنك ذهبي قديم، وهو مبلغ ضخم. راسل الداي السلطة الفرنسية  عدة مرات من أجل تسديد ديونها غير أن فرنسا بقيت تماطل وتتهرب. وفي حفل بمناسبة عيد الفطر(29 من أفريل 1827م) وبحضور الدبلوماسيين والقنصليين الأجانب لتهنئة الداي كما جرت العادة وجدها الداي فرصة  لطرح قضية الديون  على القنصل الفرنسي دوفال، فكان رد هذا الأخير غير لائق (وهي صفة من صفاته حيث كان سليط اللسان) مما أغضب الداي حسين وأشار له بالمروحة بالخروج، هذه الحركة اعتبرها القنصل إهانة واتخذتها السلطة الفرنسية حجة لحملتها على الجزائر .  سرعان ما انطلقت الاستعدادات العسكرية ظاهرها  تأديب الداي إن لم يعتذر لكن حقيقتها هي بداية احتلال الجزائر.

يقول ميترنيخ  (وزير خارجية الإمبراطورية النمساوية) " أنه ليس من المعقول في شيء أن تصرف فرنسا مائة مليون، وتضحي بأربعين ألف رجل من جيشها من اجل ضربة مروحة".(1)

المواجهة وسقوط العاصمة:
بعد هذه الحادثة أعلنت فرنسا الحرب على الجزائر، وهي بذلك وصلت إلى ما وعدت به فقد "قالوا لشعبهم أنهم سينتقمون لشرفه المهان فأيد وتحمس، وقالوا للبابا أنهم سيرفعون الصليب ويخفضون الهلال في الجزائر فبارك ودعا ربه بالنصر، وقالوا لأوروبا الاقتصادية أنهم سيقضون على القرصنة ويفرضون حرية التجارة فأطمأن قلبها وسال لعلبها، وقالوا للجزائريين إنهم سيحررونهم من"النير التركي" فصدق بعض المغترين وشلت حركة بعض الغافلين، ولكن عندما صحا المغترون وأفاق الغافلون كان الذئب قد تمكن من الحمل، واللص قد سطا على الدار. "(2)

 ففي 16 جوان 1927 فرضت الحصار على الشواطئ الجزائرية الذي دام 3 سنوات. وفي 30جانفي 1830 أتخذ القرار بشن حملة على الجزائر وعين  الكونت دي بورمون(comte de Bourmont) قائدا عاما للحملة والأميرال دوبيري (amiral Duperré) قائدا للأسطول. ومن ميناء (طولون) في 25 ماي 1830 انطلقت الحملة ، التي تتكون من 675 سفينة تحمل 37 ألف رجل مزودة ب112 مدفعا وصلت إلى شاطئ سيدي فرج في 13 جوان 1830 وتمت عملية الإنزال في  اليوم الموالي. كانت خطة الداي لمواجهة الحملة هي عرقلة تقدم القوات الفرنسية في قرية اسطاوالي بدأت المواجهة في 19 جوان  1830  لكن الآغا إبراهيم صهر الداي فشل في صد قوات الاحتلال  فعُوض بباي التيطري مصطفى بومزراق الذي حاول تجميع قوة شعبية لكنه فشل . وسقط حصن الإمبراطور في 28 جوان وفي 5جويلية 1830 دخلت القوات الفرنسية الجزائر. واستسلم الداي وأجبر على توقيع معاهدة تسليم المدينة التي تضمنت النقاط الخمسة التالية:
1-تسليم حصن القصبة (وهو بمثابة خزينة الدولة) وكل الحصون الأخرى التابعة لمدينة الجزائر إلى الفرق الفرنسية في منتصف نهار يوم 5جويلىة.
2-يتعهد القائد الأعلى للجيش الفرنسي بضمان حرية داي الجزائر وعدم المس بثرواته الشخصية.
3-الداي حر في أن ينسحب مع عائلته وثرواته إلى المكان الذي يختاره وتتعهد بحمايته وتعيين حرس له لو فضل البقاء في الجزائر.
4-تضمن القيادة الفرنسية لأفراد الجيش التركي نفس الضمانات والحمايات.
5-حرية ممارسة الديانة الإسلامية، وحرية كل السكان من كل الطبقات بحيث لا يقع النيل من معتقداتهم أو أملاكهم.
في الواقع هذه المعاهدة لم يطبق منها شيء فقد شجعت الداي على مغادرة الجزائر ورحّلت كل الجيوش العثمانية، بعدها مباشرة بدأت في تنفيذ سياستها التدميرية ضد الشعب الجزائري، ومن هنا نستنتج أن الاستدمار الفرنسي استغل المعاهدة فقط لطمأنة الجزائريين فالشرط الأخير سيزيل مخاوفهم، خاصة وأنهم تلقوا مناشير ألقتها فرنسا في 14 جوان 1830قبل احتلال العاصمة تذكر فيها  أنها جاءت إلى الجزائر فقط لتأديب الداي وتخليص الجزائريين من الأتراك (العثمانيين) وهذا لكونها كانت على دراية لما وصل إليه الشعب الجزائري من استياء من سياسة العثمانيين التي حادت عن طريقها الصحيح .

                                                                                    بقلم الأستاذ محمد موساوي
______________
-[1]    كلمة "ضربة" روجت لها فرنسا لتقنن حملتها على الجزائر، فالضربة التي تدعيها ما كانت إلا إشارة من الداي للقنصل دوفال بالخروج بسبب إساءته لحضرة الداي وكان ذلك بمروحة من ريش النعام !! 
-[2]    د..أبو القاسم سعد الله_رحمه الله_ -الحركة الوطنية الجزائرية-الجزء1 – القسم الأول-المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر1992 –ص:16

6 التعليقات:

Unknown يقول...

ابعاد الفرنسية لاحتلال الجزائر

Soumia يقول...

اريد ظروف احتلال الجزائر لفرنسا

Soumia يقول...

😑😑😑😑😑😑💢

Unknown يقول...

جيد اكملوا على هذا المنوال

unpef08 يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
unpef08 يقول...

من فضلكم اريد ظروف الاحتلال الفرنسي للجزائر

إرسال تعليق