إنّ التربية عملية تطبيقية فعالة الأهداف، توضع وفق الفلسفة التربوية النابعة من واقع المجتمع وحاجاته، والتي تتطوّر مع تطورات ظروفه وأحواله الاجتماعيــة والسياسيـــة والاقتصادية والثقافية.
لذا فالتربية ينبغي أن تسير مع هذه التطورات جنبا الى جنب لكي تستوعبها، وتعبر عن حاجاتها، وتعايش عصرها وتستلمها بمنظور علمي سليم، وفي عصرنا الحاضر نجد أنّ الاتجاه التربوي السليم هو مداومة الاطّلاع على ظروف المجتمع، وواقعه، ومداومة الاستعداد للحركة لمقابلة حاجاته المتجددة، وحل مشاكله التي تتغير كلّ يوم.
وقد أدّت التربية، ومازالت، أدوارًا فعّالة في تغيير المجتمعات، ووضعها في الإطار الذي تطمح إليه، فالتراث الفلسفي-العلمي- التربوي للإنسانية يزخر بجهود فذّة متلاحقة، فمن (جمهورية أفلاطون)، وسياسات أرسطو، و(المدينة الفاضلة) للفارابي ومذهب الغزالي في التربية والتعليم، و(إميل) لجان جاك روسو، و(الديمقراطية والتربية) لجون ديوي، إلى المناهج الحديثة، كان هذا التأثير سائدا، ويؤكد التفاعل القائم بين التربية ومعالم المجتمعات.
وبذلك فالتربية هي عملية سياسية بمعناها الواسع، ويزداد تفاعلها بالسياسة بصورة خاصة في المجتمعات النامية، ومنها الجزائر، وعليه يجب أن تسعى التربية في هذا المسار وتجسد طموح الشعب في وحدته و نهضته المعاصرة.
وهذا يأتي بصورة عملية وتطبيقية عندما يكون أصحاب الاختصاص من المؤمنين بأهداف الشعب، ومن الذين يمتلكون تصورًا كاملا لأفكارهم الأصيلة... والذين سبروا أغوار واقع الشعب، وحللوا ظروف المجتمع ويقترحون حلولا للنهوض به ومن هنا فنحن ننظر الى التربية بأنها عملية سياسية، ويجب ربطها مع سياسة الدولة بحيث تكون معبرة عن واقع الشعب لكي تكون تربية علمية ذات أبعاد اجتماعية تسعى لبناء الانسان الجزائري...
في ضوء ذلك فنحن نؤكد على ضرورة إعداد كتب وبرامج مدرسية ذات أهداف نابعة من مبادئ أصالتنا وهويتنا...
ومن المعلوم بأن المناهج هي إحدى الوسائل التربوية لتحقيق أهدافها، فهي يلزم لها أن تكون معبرة عن تلك الأهداف من جهة ومواكبة للتطورات التي تحدث في المجتمع من جهة أخرى.
وانطلاقا من ذلك ينبغي أن تكون التربية ومناهجها وفق المبادئ التالية:
1-أن تؤمن بالتراث الحضاري للأمة الذي يمثل هويتها وأصالتها بين أمم العالم وإبراز دور هذا التراث في بناء حضارة العالم قديما و حديثا.
2-أن تؤكد على الجانب الوطني، والتوضيح أنّ وطنيتنا هي وطنية إنسانية وقفت بجانب وطنيات أخرى على مرّ الزمان وأنّ الأمة لا تكتمل بدون وحدتها، وهذه الوحدة تتحقق عن طريق النضال ضد الاستغلال بجميع أشكاله ومنها الاستعمار الجديد.
3-يجب أن تكون التربية مُلبِّية لحاجات المجتمع حاضرًا ومستقبلا، وهذا يأتي من ربط التربية بواقع المجتمع بصورة تامة، لأن التربية الحقة هي التي تعيش واقع المجتمع وتستمد أهدافها منه.
4-إن التربية ينبغي أن تؤمن بأن النمو العقلي والإدراكي للفرد ضرورة مُلحّة في المجتمع، وتعمل على تكيفه للتغيرات والتطورات الجديدة التي يشهدها، وكذلك تجسد فيه روح التعاون الطوعي مع أقرانه... وفي هذا التصور ينبغي أن تكون التربية عملية تساهم في بناء وتطوير المجتمع وفق أصالتنا وقيمنا...
بقلم الأستاذ عبد الرحمن عزوق
مفتش التربية الوطنية
مفتش التربية الوطنية
0 التعليقات:
إرسال تعليق